هوَ شاعرٌ عربيٌّ بارزٌ، وإنْ كانَ لقبه غريباً إلاّ أنّه شاعر فَذ، تفوّق على شعراء بلده، فصارَ شاعراً عربيّاً في مرتبة متقدّمة اسمه: (محمّد بن سليمان الأحمد ) والده الشيخ والشّاعر والفقيه سليمان الأحمد، وهو من أكابر العلماء والفقهاء والشّعراء.
حياته: ولدَ عام 1903، وحفظَ القرآن طفلاً على يدَي والده، وحفظَ ديوان المتنبّي، والشّريف الرّضي، وكان عضواً من أعضاء المجمّع العلمي في دمشق، انخرطَ في السّياسة وترشّحَ لعضوية مجلس الشّعب إبّانَ حكم الفرنسيين
وبقيَ في البرلمان مدداً طوالاً إلى عام الانفصال بين سورية ومصر، وكان حينها مع الانفصال ، وعيّنَ بعدها وزيراً للصحّة، فكان الرّجل المناسب في المكان المناسب، وبعدَ ثورة آذار 1963م نفي واختار النّمسا منفى لوجود ابن أخيهِ هناك عادَ إلى سورية وفي سنة 1967م تعرّض للاختطاف من أمام بيته وعُذّب كثيراً، وبقيَ مختطفاً حتى
تدخّل وزير الدّفاع السوري آنذاك – الرئيس الرّاحل حافظ الأسد وهدد خاطفيه فأفرجوا عنه ورَموه أمام بيته، وبقيَ جليسَ داره حتّى وفاته سنة 1981م إذ كان شِبه مَشلول.
شعره: كان بدوي شاعراً من النّسق الأعلى فقلّما يصل شاعر آخر إلى مستواه، إذ هضمَ شعر القدماء وأجاد في شعر عصره، وكان صاحب صورة شعريّة مُذهلة، وإذا تحدّث عنه الشّعراء أو النّقاد فّإنّهم يتحدثون بإجلالٍ واحترامٍ كبيرين.
فعندما سُئل الماغوط عَنه عندما مات قال: ( ليسَ فيه عيب إلاّ رتابة التميّز !! )
فالبدوي كان في قصائده يَسير على نسق واحد من الامتياز.
وحينَ مات قال فيه نزار قباني: بدوي الجّبل، السّيف اليماني الوَحيد المعلّق على جدار الشّعر العربي، في حنجرته ألفُ لبيد، وألف شريف رضّي، وألفُ أبي تمام …..لا تستطيع إلاّ أن ترفع قبّعتك وتنحني باحترام أمام عبقريته.
وكانَ حكم نزار غايةً في الدّقّة، فلَبيد سيّد الوصف، والشّريف الرّضيّ سيّد العِفّة، وأبو تمام سيّد الصورة الشّعريّة والصّنعة في الشّعر العربي عامةً.
جاءَ البدوي إلى دمشق وهو يحمل اسم محمّد الأحمد، وتقدّم إلى مسابقات شعريّة، وفاز بها من المرّة الأولى،
وكرّموه في النّادي العربي في دمشق ومُنح لقباً فيه منَ الغرابة الشّيء الكثير، لكنّه أحبّه، فرافقه هذا اللّقب حتى وفاته.
عمله في السّياسة:
الإبداع بحاجة إلى حريّة، فالمُبدع الحُر يقول ما يشاء، ونجد عندَ البدوي قصائدَ في هجاء جمال عبد النّاصر وهذا بسبب موقفه السّياسي، وربّما كان هذا الهجاء عن إيمان مُطلق، ولكن لو لم يكن جزءاً منَ السّياسة لما تفرّغَ ليكتبَ قصائد الهجاء، وأيضاً صارَِ نتاجه الشّعري قليلاً، وبعدَ انعزاله عن النّاس عادَ إلى كثافة إنتاجه الشّعري.
ديوانه:
طُبعَ عام 1978 م قبل رحيله بأربعة أعوام، وأُعيدَ طبعه منذ فترة قريبة لنفاده من المكتبات، ولعلّ أهمّ ميزة في هذا الديوان ( الشّام ) فلا تخلو قصيدة من قصائده من ذكر الشّام إلاّ قليلاً.
عاشَ في دمشق، وذكَرَ اللاذقيّة مرّةً واحدةً في قوله: ( سقى اللّه عندَ اللاذقيّة شاطئاً…….)
من أبياته في الشّام:
تطوّحني الأسفار شرقاً ومغربا ولكنّ قلبي بالشّآم مقيمُ
ويا ربّ تدري الشّام أنّي أحبّها وأفنى وحبّي للشآم يدوم
ويقولُ أيضاً في قصيدةٍ أُخرى:
لاتلمه إذا أحبّ الشّاما طابت الشّام مربعاً ومقاما
ما رأينا الشّام إلاّ رأينا منزلاً طيّباً وأهلاً كِراما
والبدوي أحبّ الشّام لتاريخها المجيد، فهي رمز العروبة عنده، ولما تمثّله من قيم ورموز وحواضن، ولأنّها وضعته في دائرة أوسع شعراً وفِكراً وفلسفةً، فما من أحد دخلَ الشّام إلاّ وتغيّر، وكذلكَ البدوي ……
ومما قالَه في الشّام:
وياربّ: عزّ من أميّة لا انطوى وياربّ نورٌ وهّجَ الشّرقَ لا خبا
وأعشقُ برقَ الشّام إن كان ممطراً حنوناً بسُقياه وإن كان خلّبا
والمُرتكز الفِكري للبدوي ليسَ مرتكز بني أميّة، ولكنّه يراهُ عظيماً في مرتكز العروبة التي أحبّها،
لذلكَ هوَ يُفاخر به ويرجوه ويتمناه ….
ومن شِعره في الشّام، قوله حينَ عاد من غربته:
حلفت بالشّام هذا القلب ما همدا عِندي بقايا منَ الجّمر الذي اتّقدا
لثمتُ فيها الأديمَ السّمح فالتهبت مراشف الحورِ مِن حصبائِها حسدا
وبراعة الصّورة هنا غالبة، إذ يقول إنَّ شِفاه الحسناوات التهبت حسداً لأنّه سبق إلى هذا الأديم أي التّراب فقبّله، فكانت الحَسناوات تغارُ مِن التّراب لأنّ شفاهَ البدويّ سبقت إليه، ويقولُ أيضاً:
دع الشّآم فجيش اللّه حارِسها مَن يقحم الغاب يلقَ الضّيغمَ الحَرِدا
عزّت على كلّ فرعونٍ عرينتها ما روضت ويروّض القانص الأسدا
وهنا يتحدّث عمّن أرادوا إبعاده عنها، ويختم بقوله:
أنا الوفيّ وتأبى الغرّ من شيمي كُفران نعمةَ مَن أسدى إليّ يَدا .
Leave A Comment