قصة سيدنا يونس عليه السلام
بُعث يونس عليه السلام إلى قوم نينوى، شمالَ العراق قُربَ مدينة الموصل وهم قومٌ انتشرَ الشّرك بينهم، فكانوا يعبدون الأصنام …
سيّدنا يونس عليه السلام كسائر الأنبياء العِظام بدأَ بالدَّعوة لتوحيد الله ومجاهدةِ عبَدةِ الأصنام، ومُحاربة الأوضاع الفَّاسدة، إلاَّ أنَّ قومه كانوا منَ المتعصبين الذي كانوا يقلدون أجدادهم الأوائل فرفضوا الاستجابة لدعوته، كان يعِظهم بقلب حزين، مليءٍ بالمحبة والإشفاق عليهم ولكنَّهم كانوا يواجهونه بالمُغالطة والسفسَطة والعِناد، عدا قليلاً منهم مَن آمنوا به وبرسالته، كان من بين القّلة الذين آمنوا به رجل يسمى العابد، وآخر يسمى العالِم، وبعد فترة طويلة من المحاولات المُتكرّرة لهداية قومه، أحسَّ منهم الكّفر، فدعا عليهم استجابةً منهُ لنصيحةِ الرَّجل العابد، وبالفعل استجاب له ربّه، ونزل الوحي عليه يحدد له وقتَ نزولِ العذاب على قومه بعد ثلاثة أيام إن لم يؤمنوا ويتوبوا، وعندما اقترب الموعد، خرج يونس يائساً من قومه، ولمّا يئس منهم، غضب الله تعالى منه عليه السلام، لأنَّ الله تعالى يحبُّ أن يكونَ عبادهُ مؤمنينَ إيماناً مطلقاً يحسنونَ الظنَّ بهِ تعالى وبمقدرتهِ دائماً ويمقتُ سمة اليأسِ فيهم ، فاليّأس مهما تعددت أسبابه أو مبرراته فهو يأس من رحمة الله تبارك وتعالى، و في هذا درس بليغ …….
خرجَ عليهِ السّلام من بين قومه قبلَ حلول العذاب، فأسماه الله تعالى بالأَبِق، (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، والأبق في اللغة العربية هو ( العبد الهارب)، اعتبره ربُّ الكون هارباً يائساً من رحمته، حيثُ كانَ على سيدنا يونس أن يسلّم الأمر لله تعالى، فليس لنبيٍ أن يتركَ بلده أوقريته ويخرج ويهاجر دون إذن من الله تعالى؛ ولذلك نهى الله تبارك وتعالى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن أن يكون ( كصاحب الحوت ) في قلَّة صبرِه، قال تعالى (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ)، خرج سيدنا يونس عليه السلام برفقة الرَّجل العابد من قريته، وهو غاضب على قومه حتى وصلَ إلى ساحل البحر، فشاهدَ سفينةً عند السّاحل فيها ركَّاب، فطلب منهم أن يصعد ويسافر معهم، فوافقوا، صعدَ وترك قومه لمصيرهم ذلكَ المصير الذي ظنَّ أنَّه محتوم، و بينما كانت السَّفينة في وسط البحر فإذا بحوت ضخم يقتربُ منَ السَّفينة؛
تمايلت السفينة واضطربت واهتزّت، فلم يجدوا سبيلاً للخلاص إلّا أن يُلقوا بأحدهم في البحر، تخفيفاً للحِمل ليتمكنوا منَ الفرار بسرعة والنَّجاة منَ الحوت، فاقترعوا على من يُلقي بنفسه في البحر، فخرجَ سهم يونس عليه السلام، فلمّا التمسوا فيه الخير والصَّلاح، لم يحبّذوا أن يُلقي بنفسه في البحر، فأعادوا القرعة ثلاث مرّات، وكان يخرج سهم يونس عليه السلام في كلّ مرّة، فلم يجد يونس عليه السلام إلّا أن يُلقي بنفسِهِ في البحر، وظنّ أنّ الله تعالى سيُنجيه من الغَرق، ولكنَّ الحوت أقبلَ عليهِ والتقمه.
والآن وبعدما صار يونس عليه السلام في بطن الحوت، ظنّ أنّه مات، فحاول أن يحرّكَ جسده فتمكَّنَ من ذلك فسجد لله تعالى شاكراً له بأنْ حفظَهُ، ونجّاه، وبقي في بطن الحوت ثلاثة أيّام، وسمع فيها أصواتاً غريبةً لم يفهمها، فأوحى الله تعالى له أنّها تسبيح مخلوقات البحر، فأقبلَ هو أيضاً يسبّحُ الله تعالى بقولهِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وصيغةُ التَّسبيح هذهِ جامعة، شاملة للتوحيد، والتَّسبيح، والاعتراف بفضلِ الله -تعالى- على العبد، وفي ذلكَ قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (دَعْوةُ ذي النُّونِ إذ دَعا وهو في بطْنِ الحُوتِ: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ منَ الظّالمين؛ لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيءٍ إلا اسْتجاب اللهُ لَهُ).
لقد ذَكَرَ القرآن الكريم قصة التقام حوت كبير لنبي الله يونس عَلَيهِ السَلام، وأن هذا الأمر رغم صعوبته ولكنه لم يقتل نبيَّ الله يونس الذي قضى الوقت مسبّحاً وداعياً الله تعالى أن ينقذه،
فاستجاب الله تعالى له فأخرجه الحوت إلى اليابسة، و من رحمة الله تعالى بهِ رزقه قوتاً يتغذّى عليه حتى يعود إلى حاله الأوَّل ويستعيدَ قواه حيث وجدَ نبات اليقطين فاستخدمه كطعام؛ و بعد أن استرد عافيته قرَّر يونس عليه السلام العودة بعد ذلك إلى نينوى حيث قومه، فوجدهم مؤمنين بالله تعالى موحّدين، فمكث معهم حيناً من الدهر، وهُمْ على حال الصَّلاح والتُّقى، حيث قال الله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ*فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)، ثمّ حين عادوا إلى ضلالهم وكفرهم مجدّداً نزل فيهم عذاب الله تعالى فأخذهم جميعاً، ودمّر مدينتهم، فأصبحوا عبرةً لمن خلفهم، وقيل بعد ذلك في وفاة يونس عليه السلام أنّه دُفن قربَ ساحل صيدا.
جاء في القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ۞ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۞ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ۞ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ۞ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۞ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۞ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ۞ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ۞ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ۞ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ۞﴾
أما قوله تعالى {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} فلا ينحصر معناه على يوم القيامة الكبرى بل يعني به يوم بعث أو إيمان أهل نينوى الذي تطلّب وقتاً حتى تمَّ، فَلَو لم يكن عَلَيهِ السَلام بهذا القدر من التقوى واللجوء إلى الله تبارك وتعالى لظلّ يكابد في تلك الظلمات إلى أن يعود أهل نينوى إلى بارئهم بالتوبة، وقد لا يشاهد عَلَيهِ السَلام هذا اليوم الكبير.
وتذكرُ التّوراة هذه القصة كما يلي:
“وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” (يونان 1:17)
“فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ” (يونان 2:1)
فسمع الله تعالى تضرعاته ودعائه فنجّاه:
“وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ.” (يونان 2:10)
ذُكرَ سيدنا يونس عليه السلام والحوت أربع مرات في القرآن الكريم، وأصبحَ منَ المعروف للجميع بأنَّ الحكمة في القصة الاستثنائية، والتي لم يخبرنا القرآن الكريم قط أنها تكررت مع نبي آخر أو عبد صالح، هيَ أنَّ الحوت لفظَ سيدنا يونس من بطنه، وأنَّ هذه الإنفرادة من رب السَّماء على عبده يونس عليه السلام ليسَ لأنَّه كان من المصلين أو المستغفرين أو المتصدقين … لقد أخرجه ربّه من ظلمات بطن الحوت لأنّه كان مسبّحاً، فلولا أنَّه كانَ من المسبحين للبثَ في بطنه إلى يوم يبعثون.
فابتلاع الحوت لسّيدنا يونس وبقاؤه في داخلَ بطنه، ثمَّ خروجه جزء منَ الحكمة التي أراد الله تبارك وتعالى لنا أنْ نتعلَّمها من قصة ذي النون، لكنَّها ليست الدَّرس الوَّحيد الذي يستدعي التَّفكر والاعتبار والتأسّي وشدّ العزيمة والصّبر وتثبيت الفؤاد.
فهناكَ دروسٌ كثيرة يمكن استخلاصها منها:
___ عدم الاستعجال؛ حيث قال الله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، ففي هذا إشارة إلى أنّه كان على يونس -عليه السلام- ألّا يستعجل فيترك قومه لوَحدهم، بل أن يبقى معهم، مُذكّراً، موجّهاً لأبعد حدّ، ولا ينتظر منهم القبول، والإيمان بسرعةٍ.
____ وكذلكَ كانَ عليه عدم الغضب؛ فخروج يونس -عليه السلام- من قومه كان غضباً عليهم، وعلى حالهم، وظنّه كذلك أنّ الله -تعالى- سيعطيه فُسحة ليدعو أقواماً آخرين طالما أنّ قومه لم يأخذوا بكلامه، ولم يستجيبوا له، لكنّ الله -تعالى- أراد شيئاً مختلفاً وهو الهداية المتأخّرة لقومه نفسهم.
_____ ونستخلص من القّصة أيضاً أنّهُ لابدَّ منَ الصّبر؛ فالصبر هوَ سلاحُ المؤمنِ ضدَّ الشّدائد وهو مفتاح الفرج، و طريق تحقيق الغايات التي تأخّر ظهورها، والدّاعي إلى الله -تعالى- عليه أن يكون صبوراً في دعوته، فالنَّاس تخاف وتتوجس من التغيير، وتكسل عن العبادات فتتأخّر، فعلى المسلم أن يكون صبوراً حتى يتمكّنَ منَ الوّصول إلى غايته العظيمة.
_____ وتعلّمنا القّصة أيضاً ضرورة الاستمساك بصيغة التسبيح الواردة في قصة يونس عليه السَّلام، فعندما يعترف الإنسان بظُلمه لنفسه ويسبح الله تعالى ويُقِرُّ بوحدانيته سُبحانه يكون قد بدأَ السَّير في المسار السَّليم الذي يرضي الله تعالى.
الآن، بعض المُلحدين أخذوا يتَّهمون القرآن الكريم والكتاب المقدس بأن قصة يونس عليه السّلام المذكورة فيه لا تصحّ وذلكَ لأنَّ أكبرَ حوتٍ في أيّامنا هذهِ حسبَ زعمهم لا يتجاوز بضعة بوصات مما يقضي على أي أمل بالنجاة بالإضافة إلى الاختناق لعدم وجود أوكسجين في بطنه وكذلك إنتاج معدة الحوت لغاز الميثان القاتل !
أمَّا الجّواب على تلك الشبهة، من ناحية إيماننا فهو أنَّ الله تعالى على كل شيء قدير ولا نقول إلا أن الله تعالى قادر على أن يفعل ما يشاء وكل شيء يخضع له تبارك وتعالى، ومن ناحية سنن الله تعالى (قوانينه الكونية) فهي باتفاق جميع العلماء من مختلف الاختصاصات أنَّها مِن الكثرة والتَّعقيد ما لا يُمكن لأحدٍ الإحاطة التَّامة بها، وهذه السُّنن التي لا نحيط بها ولا نعرف منها إلاّ القليل جداً منها ما هو كفيل بإبقاء يونس عَلَيهِ السَلام حياً في بطن الحوت، وما علينا إلا التّسليم، خصوصاً وأن العِلم يصرّح بأن المُكتشَف من المخلوقات والأحياء البحرية إلى يومنا هذا لا يتجاوز ال5% فقط أي أن الباقي غير المُكتشَف بَعْد من هذه المخلوقات هو 95%!
لنأخذ مثالاً واحداً مما بين أيدينا ينطبق على ذلك، وليَكُنْ حُوت القرش العملاق أو الذي يسمى اصطلاحاً بال Megalodon والذي انقرض حسبَ قول العُلماء قبل ملايين السّنين وتمَّ العثور على أحدث بقايا لهذا المخلوق الهائل كأسنان وفك ومفاصل مختلفة قبل 11 ألف سنة تقريباً!
لقد وردت كلمة الحوت في الكتاب المقدس النّسخة اليونانية السبعينية كالتالي: megalo keetei وتعني الكبير، ولا يخفى أن هذه الكلمة تشابه جداً كلمة Megalodon ولعلها مشتقة منها ! كما أن وصف هذه السمكة megalo هو أن وجهها يختلف عن باقي السمك وهو أقرب للضبع أو الكلب، الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المقصود هو بالفعل قرش الـ Megalodon العملاق وحجمهُ يعادل تقريباً حجم حافلة ركاب كبيرة.
و مِن ناحيةٍ ثانية فإنَّ حوت الـ Megalodon العِملاق كان يتواجد في البحر الأبيض المتوسط. وهو ذات البحر الذي تعرّض فيه يونس ؑعليه السّلام لالتقام الحوت في الكتاب المقدس!
كذلك التسمية اليهودية هي يونا، بينما في المسيحية يونان، وجاءت في الإسلام يونس. ما يجدر ذكره هنا هو أن اسم يونان يتبع أحد البلاد الأوربية التي تقع على البحر المتوسط أيضاً مما يؤكّد موقع الحادثة، كما أنَّ أصل التّسمية يظهر أنَّها تتعلّق بشخصٍ مقدَّس عند أهلِ اليونان. كذلك يوجد بحر متاخم لليونان يُطلق عليه يونيوس! ولا تكاد هذه اللفظة تفرّق
عن [ يونس ] حيث السّين في اليونانية هي علامة تلحق بالأسماء عادة، فيثبت أن الاسم الصّحيح هو يونس.
حادثة حقيقية لقيام قرش أبيض بابتلاع أحد الغواصين المحترفين. وقد وصَف الغواص بقاءه في منطقة تقع خلف فك القرش لأكثر من دقيقتين وصفَ المكان بأنَّه يشبه الكَّهف المُظلم !
فإذا كان القرش الأبيض يستطيع ذلك وهو صغير جداً بالمقارنة مع الـ Megalodon العملاق، فكيف يعجز هذا العملاق عن ابتلاع إنسان صغير الحجم حتى بالمقارنة مع القرش الأبيض والديناصور!
أمَّا التَّنفس في داخل هذا العِملاق فيمكن فقط مع نوع القرش الذي ينتمي إليه الـ Megalodon حيث يتمتَّع صنف القرش بنظام تحكّم بالأوكسجين وضَخّه للقلب والأوعية الدَّموية بل وإنتاج كريات دم تنقل الأوكسجين عبر الدم وتوزعه لباقي الجسم، وبهذا يصبح الدَّاخل كلّه مشبع بالأوكسجين بشكل أو بآخر!
وهناكَ حادثة عن صياد اسباني ابتلعَهُ الحوت وبقي في بطنه لثلاثة أيام يدعو ويصلًي حتَّى أنجده الله تعالى وألقى به الحوت إلى اليابسة.
وسواء صحّت هذه القصة أم لا، فالأكيد أنَّ ابتلاع قرش الـ Megalodon العملاق لإنسان وبقائه في بطنه لبعض الوقت هوَ أمرٌ ممكن، ناهيك عن إمكانية وجود حيتان عملاقة قبل آلاف السنين ليس بالأمر الُمحال .
فالحادثة لا تتعارض معَ العلم أبداً، وتعلّمنا الكثير منَ الدُّروس والعِبَر.
Leave A Comment