قصيدة نزار قباني ( إلى سيّدةٍ تصطنعُ الهدوء )
___ 1 ___
خُذي وقتكِ، يا سيّدتي العزيزة
فلا أحدَ يُرغِمُكِ على الإدلاءِ باعترافات كاذبةْ
ولا أحدَ يُريدُ منكِ أن تفعلي الحبَّ……
تحتَ تأثير الخمرة … أو المُخدِّرْ ….
كما لو كُنتِ تخلعينَ أحَدَ أضراسكِ ……
لستِ مضطرَّةً للتبرُّعِ بنصفِ فمكِ ….
أو نِصفِ يدكْ….
فلا الشّفاهُ قابلةٌ للقِسمةْ…..
ولا الأشواقُ قابلةٌ للقِسمةْ…..
ولا الأُنوثةُ قابلةٌ للقِسمةْ….
هذا هوَ الموقفُ يا سيّدتي….
فلا تخاطبيني وأنتِ مُضْطجعةٌ على سريركِ الملكيْ
فآخرُ اهتماماتي….. سَنْدُ خاصرةِ الملِكاتْ …..
وقراءةُ شِعري ……
في مجالس الملكاتْ……
__ 2 ___
خُذي الوقْتَ الذي تستغرقهُ اللُّؤلؤة لتتشكَّلْ.
والسنونوةُ لتصنعَ بجناحيها صيفًا..
خُذي الوقتَ الذي تستغرقُهُ الدَّمعةُ….
لتُصبحَ كِتابَ شِعرْ……
خُذي الوقتَ الذي يستغرقهُ النَّهدْ….
ليُصبحَ حِصانًا أبيضْ…..
خذي الأزمنة التي ذَهَبَتْ…..
والأزمنة التي سوفَ تأتي……
فالمسافة طويلةْ…..
بينَ آخر النبيذِ ….. وأوّل الكِتابةْ
وأنا لستُ مُستعجلًا عليكِ….
أو على الشّعرْ….
فالعيونُ الجميلة غيرُ قابلةٍ للاغتصابْ….
والكلمات الجميلة غيرُ قابلةٍ للاغتصابْ……
والذينَ لهمْ خبرةٌ بشؤونِ البّحرْ…..
يعرفونَ أنَّ السّفُنَ الذَّكيّةَ لا تستعجلُ الوصولْ…..
وأنَّ السواحلَ هيَ شيخوخةُ المراكبْ…..
__ 3 __
خُذي وقتكِ …..
أيّتها السَّيّدة التي تصطنعُ الهدوءْ
إنّني لا أُطالبكِ بارتجالِ العواطفْ…
فلا أحَدَ يستطيعُ تفجيرَ ماءِ الينابيعْ
ولا أحدَ يستطيعُ رشوةَ البّرقِ والرَّعدْ….
ولا أحدَ يستطيعُ إكراهَ قصيدةٍ
على النُّومِ معَ شاعرٍ لا تُريدُهْ….
__ 4 __
خُذي وقتكِ …. أيَتها الهوائيَّة الأطوارْ….
يا امرأةَ التّحوُّلات، والطَّقْسِ الذي لا يستقِرْ
أيَّتها المسافرةُ بينَ القُطبِ…. وخطّ الإستواءْ
بينَ انفجارات الشّعرِ….. ورمادِ الكلام اليوميْ
خُذي وقْتكِ ….
خُذي وقْتكِ …..
إنَّ نارَ الحطبِ لا تزالُ في أوَّلها….
ونارَ القصيدةِ لا تزالُ في أوَّلها…..
وأنا لستُ مُستعجلًا على انشقاق البحرْ…
وذوبان الثَّلوج….. على مُرتفعات نهديك…
إنّني لا أُطالبُكِ بإحراق سُفُنِكْ……
والتَّخلّي عن مملكتك …. وحاشيتكْ….. وامتيازاتِك الطبقيَّةْ….
لا أُطالبُكِ بأنْ تركبي معي فرسَ الجُنونْ…
فالجُنونُ هوَ موهبةُ الفقراءِ وحدهمْ….
والشُّعراءِ وحدهُم……
وأنتِ تُريدينَ أن تحتفظي بتاج الملكاتْ…..
لا بتاجِ الكلماتْ…..
أنتِ امرأةُ العقلِ الذي يحسب حِسابًا لكلّ شيءْ
وأنا رجُلُ الشعرِ الذي لا يُقيمُ حسابًا لأيّ شيءْ……
نزار قبّاني
Leave A Comment