في إحدى القرى النائية كان هناك عائلة تجمع بين الفقر والجهل إلى حد,, مؤلم ، وكان مصدر رزق هذه العائلة’’ هو
ماتنتجه الأرض التي يزرعونها في كل عام ، وكذلك كانوا يربون المواشي ودرجت العادة في تلك القرية بأن يذهب كل
من لديه بعض الأغنام إلى مكان بعيد عن القرية في بداية الربيع لأنّ الكلأ يكون وفيرا” ، وكانوا يقيمون في مغارات أو
أكواخ ريثما بدأ الخصب في القرية فيعودوا أدراجهم إلى منازلهم التي في القرية ، وفي كل سنة كانت الأمور تسير
بسلام إلى أن اتى ربيعُُ كان الربيع’ الأخير في حياة الطفلة هدى التي كانت في عمر الأربعة أعوام ، وكانت فتاة’’
ذكية’’ وجميلة’’ إلا أنّ علائم الفقر وقلّة العناية بها قد غطت جزءا” كبيرا” من جمالها .
في أحد الأيام قامت أم هدى بجمع الحليب ووضعته في قدر كبير ووضعته على النار ، بدأ القدر يغلي فوضعته أم
هدى بمساعدة زوجها على الأرض داخل الغرفة التي كانوا يقيمون فيها ، كانت هدى تلعب داخل الغرفة غادر أهلها
لإطعام الماشية وتركوا هدى دون رقيب يرعاها ، أراد جدها الدخول إلى الغرفة فدفع الباب بسرعة وكانت الطفلة
خلف الباب مباشرة” فدفعت بقوة وارتبكت فهوت في قدر الحليب الذي كان قد رفع توا” عن النّار صرخ الجد من هول
المصيبة وأسرع وحمل الطفلة المسكينة من القدر لقد أغمي على الطفلة بسبب آلام الحروق التي غمرت جسدها
الرقيق أسرع الأب والأم إلى الغرفة لمعرفة سبب صراخ العجوز فرأيا ابنتهما الغضة تحتضر بين يدي جدها الذي تفطر
قلبه ألما” وحزنا” لقد تمنى لو أنّ المنيّة سبقت مرور هذا اليوم عليه ، روحه الهرمة أحست بأنّ أطنان العذابات
التي أدارت رحاها عليه طوال سنوات حياته مجتمعة أهونُ وطأة من رؤية هذه البرعمة الصغيرة تتلف من قبل أن تبصر الحياة ،
ركض الأبوان بلهفة وكادت الصدمة أن تشلّ حركتهما ولكنّ بصيص الأمل الذي ومض في داخلهما بإمكانية إنقاذ
الطفلة جعلهما يتماسكان ويكابران على جراح قلبيهما النازفة ، قال العجوز أحضروا لي الملح فهو جيد للحروق
وأسرعا كسرعة ممرضة واثقة متأكدة من مصداقية الدواء الذي تناوله للطبيب لينقذ به مريضا” على شفا حفرة,, من
موت ، ولكن شتان بين العلم والجهل ، قام الجد بمسح جلد الطفلة بالملح حتى تغطى جلدها تماما” ، ولما وجداها
خائرة القوى إلى حد,, لا يطمئن ، قرروا أخذها إلى الطبيب ، ولكن بعد الطبيب عن مريضته كان كبعد المشرق عن
المغرب إضافة إلى وقوع المريضة بين يدي الجهالة فازداد الأمر سوءا” وضعا الطفلة على الحمار وراحت لسعات البرد
تحرق جلدها الرقيق الذي كان قد دمّر’ تماما” وبعد ساعتين وأكثر وصلوا إلى القرية وكانت أسوأ رحلة إسعاف تخطر
على بال ، طلب من أحد سائقي السيارات العابرة بأن يسعف لهم الطفلة فلم يتردد لحظة” حمل’ الأب الطفلة ،
وصعدوا إلى السيارة وأسرع السائق قدر الإمكان ، اعتصر قلب السائق وخاف أن يلقي عليهم أيّ سؤال لأنّه شعر’
بأنّ الموقف أكبر من الكلام كثيرا” فآثر’ الصمت .
وعندما اقتربا من باب المشفى أحسوا بأنّ الفرج أصبح قريبا” أدخلوها مسرعين وحدثت ضجةٌ مفاجئة في
المشفى بعد وصول الطفلة وازدادت حركة الممرضات وأسرعوا باستحضارالطبيب المناوب مددها على السرير
وحاول جاهدا” بشتى محاولاته وخبرته إنقاذها إلاّ أنّ مفعول الجهل الذي عولجت به الطفلة قبل إحضارها كان أقوى
بكثير من مفعول الطبّ الذي تعلمه .
بدأ نبض الطفلة يتباطأ فقال الطبيب محاولا” تهيئة الأهل لفراق ابنتهم : لقد فعلنا مابوسعنا ولكنها بحالة خطرة
وأظنُّ أنّها لن تنجو ، وتابع إنّا لله وإنّا إليه راجعون ،فجعوا جميعا” واختلطت الأحاسيس لديهم بين ندم وحزن وذهول ……
نظر’ الأب والأم والجد إلى الطفلة وهي تحتضر كانت عيونها اللامعة البريئة تلومهم بصمت يفطّر الأفئدة ، ولفظت
أنفاسها الأخيرة وسط صراخ وعويل …….
أ. عائشة أحمد البراقي
Leave A Comment