كان سعيد شاباً قوياً وكان كلما عاد من عمله إلى البيت رمقته أمه بنظرات الشفقة فهي تتمنى أن تزوجه وتفرح برؤية أحفادها قبل موتها
ولكنه كان يرفض فكرة الزّواج تماماً وكان يقول لأمه في كل مرة تفاتحه بها بموضوع زواجه ( أمي أنا أخشى من فتيات هذا الجيل فهنّ جريئات
إلى حد مخيف ، ومضت سنوات عديدة و أم سعيد تصلّي في الليل والنهار وتدعو الله أن يرزق ابنها بزوجة صالحة .
ذات يوم قدمت لزيارتها صديقة قديمة لها وكان برفقتها ابنتها الشّابة وكان اسمها( أزهار ) كانت جميلة” مطمئنّة النظرات، سموحة الوجه
وكان لباسها الأنيق المحتشم يوحي بالتزامها وأخلاقها العالية.
وبينما كانت أزهار وأمّها في منزل أم سعيد عاد سعيد من عمله ولمّا دخل سلّم عليهنّ ورمق أزهار بنظرة خفيّة خاطفة، فرأى الارتباك قد بدا
على وجهها، اطمأن لهذا الارتباك الذي لطالما تمنّى رؤيته عند فتاة …….
بعد انتهاء الزّيارة أسرع سعيد إلى أمه وسألها باهتمام عدّة أسئلة عن الفتاة وأمها، استبشرت الأم خيراً من أسئلة ابنها وبعد نقاش
دار بين الأم وابنها أخبرها سعيد بأنه أعجب بالفتاة ، فرحت الأم كثيراً وشعرت بأن حلمها على وشك أن يتحقّق، فاتحت أم سعيد أم أزهار
بعد أيام بالموضوع وبعد تطبيق بعد العادات تمت الموافقة على الخطبة، ودامت الخطبة حوالي تسعة أشهر جهّز خلالها سعيد منزل
الزوجيّة تمّ الزفاف وعاش الزوجان في سعادة كبيرة، كانت أم سعيد في غاية السرور لأنّ ابنهاقد أتمّ نصف دينه وراح قلبها يتلهّف لقدوم
حفيد يقرّ عينها مرت الشهور سريعاً وأزهار لم تحمل قررت أم سعيد أن تقنع أزهار في الذهاب إلى الطّبيب للاطمئنان على وضعها فقط
وافقت أزهار على الفكرة وبعد أن أخذت إذن زوجها ذهبتا إلى الطبيب.
وهكذا مرت سنوات كثيرة لم يحدث الحمل ولكن أزهار كانت فتاة في غاية الرقة وكانت تعتني بسعيد وبأمه لدرجة أنهما كانا يخجلان من
مفاتحتها بأي موضوع قد يزعجها.
بعد مضي حوالي خمس سنوات يئست أم سعيد من احتمال أن تحمل أزهار فما كان منها إلاّ أن اتصلت بسعيد وألحت عليه بأن يزورها
لأنّها تريد مفاتحته بأمر مهم للغاية ذهب سعيد إلى أمّه فأخبرته بأنّ عندها ابنة خالة في المدينة المجاورة لديها فتاة جميلة وبعمر الزواج
طلبت منه أن يرافقها لزيارة ابنة خالتها ورؤية ابنتها علّها تعجبه فيتزوجها، ووعدته بأنّ مكانة أزهار محفوظة ولكنّ العمر يمضي وهي
تخشى أن تموت قبل رؤية أحفادها وفي أثناء كلام الأم ذرفت دموعها في حرقة وترجت ابنها أن يوافق على طلبها هذا
فكّر سعيد مليّاً شعر بالحيرة تشوّش أفكاره ولكنه في الحقيقة قد اشتاق بالفعل لاحتضان طفله الذي لم تستطع أزهار إنجابه حتى
الآن .
وافق سعيد على طلب أمّه ومراعاةً لمشاعر أزهار أخبراها بأنهما سيذهبا لزيارة ابنة خالة أمّه فدعت لهما بالسلامة وتودع سعيد وأزهار
على باب المنزل كان بريق عينيها وابتسامتها الجميلة لايفارقان خياله لحظةً.
انطلقت الحافلة وأفكار شتّى تدور في رأس سعيد ، كان فرحا” لأنّه قريبا” سيصبح أبا” ، وشعر ببعض الخجل من نفسه لأنّه أخفى عن
زوجته سرّ هذه الزيارة، وتساءل في سرّه ماذا ستكون ردّة فعل أزهار عندما تعرف الحقيقة.
وفجأةً قطع تفكيره وتساؤلاته الصامتة صوت اصطدام حافلتين ببعضهما كان حادثاً أليماً ومن ذهوله أوقف الحافلة ونزل هو وأمه منها
اقتربا قليلاً من مكان الحادث، سارع الناس للإنقاذ كان في إحدى الحافلتين عائلة فيها رجل وامرأة وولدين كانا قد تعرّضا لحادث أليم
أودى بحياتهم جميعاً، وبينما كان الناس يرفعون الجثث من داخل الحافلة صدر صوت طفل صغير من قلب الحافلة، لقد كانت أمه تحتضنه فحمته من الموت
وافتدته بنفسها حمل أحد المسعفين الطفل بحزن وقال ماذا نفعل بهذا الطفل هل من أحد منكم يتبرع برعايته ريثما عثرنا على أقارب
لهذه العائلة ؟؟ تردد الجميع بالموافقة، وطار قلب أم سعيد إلى الطفل قبل أن تلمسه يداها وقالت بلهفة اعطوني الطفل سأربّيه أنا
وعندما تعثرون على أحد من أقاربه سأعيده لكم.
تمت الإجراءات اللازمة من ضبط الشرطة وغيره من أمور روتينية وأخذوا عنوان سعيد وأمّه بالكامل حضنت أم سعيد الطفل بحنان أُم
مشتاقة ملهوفة وصعدت إلى الحافلة وصعد سعيد وهو مستغرب من أمّه، قال لها: لماذا فعلتِ هذا يا أمي؟
فأجابته ياسعيد إنه ابنك الذي لم تنجبه ، لقد رزقك الله إياه، هيّا بنا نعود أدراجنا فلقد أصبح لدي حفيد ولن أزوجك امرأة أخرى غير أزهار
وبالفعل عادا إلى البيت طرقا الباب ودخلا وسط استغراب أزهار وتساؤلاتها…..
لماذا عدتما بهذه السّرعة؟ ومن هذا الطفل الذي تحمليه يا حماتي!؟
لم تستطع أم سعيد منع دموعها ، وقالت لأزهار هذا ابنك يا أزهار لقد ذهبت لأحضر لك ضرّة’’ فأراد الله أن يكرمك فأحضرت لك طفلا”
بدل الضُرّة ……
دهشت أزهار وبكت ثم أخذت الطفل، ونظرت إليه بحنان الأم الذي لم تخبره من قبل ….
واليوم مضى على هذه الحادثة حوالي ست سنوات لم يسأل أحد عن الطّفل وبعد قدوم الطّفل إليهم حملت أزهار وأنجبت طفلاً
وبعد عامين حملت مرّة أخرى ورزقت بطفلةٍ جميلة ورقيقة تشبهها،، وكان للأطفال الثلاثة المكانة ذاتها في قلب أزهار وقلب سعيد و أمّه.
أ. عائشة أحمد البراقي
قصة مؤثرة .. وأسلوب جميل ومشوق .. مع أمنياتي بأن تصبحي كاتبة متميزة في سورية وعلى مستوى العالم إن شاء الله ..
شكرا”لك ……. لا يدرك الجمال إلاّ الجميل .