الكل خاسر ( خاطرة ) :
كانت ليلة هادئة جدا ولم نشأ أن نعكر صفوها بصخب الانتصار ، ولربما أسكتنا الدمار الشامل الذي يقف كشبح متمرد تحت ضوء القمر ، لم تكن وجوه القتلى مروعة أكثر من ذلك الهدوء المنبوذ الذي ينبئك بأن أمرا سيئا على وشك الحدوث، سرنا بخطى مثقلة بالآلام، لاأدري كيف استطعنا مواصلة السير بأرجل ترتعش وجسد منحل من الإعياء، كان لابد لنا أن نعرف هل مراد مازال على قيدالحياة ….
لايهم لو مات أحدنا ولايهم لو متنا كلانا كانت حياة مراد مهمة لدرجة لايمكن استمرارنا بدون أن نتأكد هل مازال حيا، شيء ما لامس ساقي شعرت بأنه لم يتمكن من الإمساك بي سارعت بخطوات هائمة ، لا أدري إن كنت أفلت من أحدهم ولم يعد مهما إن كان أحدهم يستنجد بي، على بعد خطوات قليلة سمعته .. صوت ضعيف مرتجف لايشبه قوة مراد وعنفوانه لكنني عرفته فالبحة الواضحة وطريقة لفظ اسمي لايمكن أن يستطيع القيام بها بهذه الطريقة غيره، انجذبت إليه كإسفنجة تريد امتصاص ألمه وضع عصام ذراعه تحت رقبته وسقيته آخر قطرات ماء كانت في قنينة أوصتني ابنتي أن أعيدها معي لأنها لاتستطيع أن تفهم دروسها وهي عطشى، مسحت جبينه بذراعي قال : لاوقت معي، اسمعني يا صلوح عليك أن تخرج حيا مع هذه الورقة …..
لقد كتبت عليها وصية، لكن عليك أولا أن تخرج حيا …..ناولني ورقة مطوية وانطوى على جرحه النازف وفارق الحياة …..لم يعد شيء مهما الآن، لقد وافت المنية كل آمالي ولم يعد لدي رغبة بالاستمرار، أمسك عصام بذراعي وأنهضني ثم دفعني بقوة لم أتوقع أنه يمتلك ربعها، نزلنا السلم ومشينا طريقا متعرجا وملطخا بدماء لاتزال ساخنة، رائحة البارود والموت تفوح في كل مكان شعرت أنها ملأت السهول ورؤوس الجبال حتى بلغت السماء، لاشك أن كل شيء ميت في بلد لايعرف شيئا عن الحياة منذ سنوات، وجدت نفسي في قسم الإسعافات الأولية و الممرضة تنزع قميصي الملتصق بجسدي و تسكب الكحول بإصرار على كل مكان كما لو أنها والدتي التي تريد فرك كل شبر وهي تحممني ، أخرجت من جيب بنطالي الرسالة المطوية وقرأت السطرين الوحيدين الذين كتبا عليها ، لاعدالة في الحروب، في الحروب الكل خاسر .
د.عهد أحمد البراقي
Leave A Comment