عندما يكتب الأديب باسم الشعب وللشعب :

السلام على كل قلب قرحته الأوجاع والأحزان
سلام على كل نفس مزقت دثارها أظفار
الزمان .
إلى كل من يظن نفسه أروع إنسان، وكل من سواه ليسوا بجدارته أكتب :
ارحم نفسك من غرورك لأن الأشعث والأغبر قد يكون عند الله علي’ القدر مكرم،
والمغرور عند الله مهان .
كل الحب إلى من يكتب باسم الشعب

باسم السيدة التي تتعب وتدبر شؤون بيتها وأطفالها من فتات اللقمة واللقمتان
بخيط ترتق فيه ما تمزق و ما تهلهل

عندما يكتب الاديب باسم الشعب وللشعب :

باسم عامل البناء الذي لم يكمل تعليمه بسبب فقر سكن’ عقر’ دار أهله
فالتهم منهم الفرص’ والفرح والعلم
قتل الفقر ما أشرسه ……

باسم معاق له نصيب لا يستهان به من ذكاء لكن قدماه لم يسعفانه في الذهاب واكتساب علوم البلاغة والمجاز،
فكان الذكي البسيط الذي يدرك تماما” ضحالة علمه ولكنه يود لو يزيد عليها قيد أنملة من بنان .
تتوه عقول المثقفين أمام الصور والتشابيه
والمجازات والاستعارات فكيف بعقول المستضعفين أن تميز بين تشبيه بليغ وتشبيه تام الأركان .
إن الصدق والبساطة في المقال والقول ما إن لم يصل إلى مستوى العامية والابتذال لا يدني قيمة الكلام
بل هو محاولة للدخول إلى جميع المستويات والعقول وإزالة هم يعرفه البعض ولكنه عند الكثيرين مجهول .
المجتمع كله بخير ، المثقف والطبيب والعالم ….
كلهم بخير
من ليسوا بخير هم هؤلاء الضعفاء الذين انقطعت
أنهار تعلمهم قبل أن يتذوقوا لذة النور وتنبهر عقولهم بالعبر .

عندما يكتب الاديب باسم الشعب وللشعب :

ماهي البلاغة في عالم الموجوعين ؟


لا يعجز الكاتب عن البلاغة ولكن هناك من أخذ على عاتقه هموم المحرومين والمتعبين و المستضعفين .
فقلص ضخامة عباراته وخفف بريق محسناته
التي لا تسمن ولا تغني من جوع
عند غالبية البشر التعساء؛
لأن الزمان قاهر مزاجي متقلب
والقدر لا يترك الطفل في حضن أمه بل يسلبها منه ويرديها جثة في باطن الأرض ويرمي به بين أشواك المصاعب .
ولا يترك التلميذ الذكي النظيف على مقعد دراسته ينعم بما ينهل من جديد العلم بل يسلبه أباه، ويقهر أمه ويشقيها بحمل الأعباء فينتزعه من مقعد دراسته واضعا” إياه في ورش تصليح السيارات وورش البناء
ليتلطخ وجهه الصغير بالسواد كما لطخ غدر الزمان أيامه،
ولتكسر الأحمال الثقيلة ظهره كما قسم الفقد عمره .
هؤلاء الحزانى ينتظرون كلمة واضحة مفهومة تذوب في قلوبهم وتريح نفوسهم دون عناء لأنهم متعبون وما عادوا على فك شيفرات البلاغة والفصاحة يقدرون .
طبعا” للبلاغة جمالها وقراؤها وأهلها
لكنها طلاسم وتراهات بالنسبة لعقول المحرومين
من يريد شرب الماء هو الظمآن ، وليس المتربع على عرش الفصاحة يطالب بالأبعد تشبيها والأندر تكلفا” .

عندما يكتب الاديب باسم الشعب وللشعب :
طوبى لجبران كاتب الإنسانية والإنسان
طوبى لمن يحمل قلمه ويتحرى مواطن الأسى لينير بحروفة ظلمات نسيها الكون بأسره وحمل أعباءها قلب إنسان؛
ولم يأبه لبريق المعاني والصور بل سره جدا” القضاء على الأوهام والأحزان التي كادت تعشش في قلوب الثكالى واليتامى والمظلومين .

عائشة البراقي

حقوق النشر وجميع الحقوق محفوظة