عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب :
العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذي غنى :
((في يوم ، في شهر ، في سنة ، تهدى الجراح و تنام ، و عمر جرحي أنا أطول من الأيام ، وداع يا دنيا الهنا ، وداع يا حب يا أحلام ، ده عمر جرحي أنا أطول من الأيام………. ))
صدق عبد الحليم فحياته كانت على الرغم من النجاحات الكثيرة سلسلة من الجراح و الآلام ، بدأت بحرمانه من أمه و هو الرضيع الذي لم يتعدى عمره أيام قليلة ، ثم حرمانه من أبيه و هو في عامه الأول، ليأتي بعدها الألم الذي أرهق’ جسده وأتعبه .
عندما كان يلعب مع أبناء عمومته في ترعة القرية و أصيب ( بالبلهارسيا )و التي أدت الى تليف بالكبد المرض الذي عانى منه طوال حياته، وبعدها فقد’ حب عمره
(جيهان العلايلي) بعد إصابتها بفيروس في المخ أودى بحياتها أثناء تحضيرات زواجهما.
اسمه الحقيقي (عبد الحليم علي اسماعيل شبانة) ، ولد في قرية ((الحلوات)) بمحافظة الشرقية و كان ترتيبه الرابع بين أخوته وهم إسماعيل و محمد و عليا . توفيت أمه بعد ولادته بأيام، ثم توفي أبوه قبل أن يتم حليم عامه الأول ، ليتولى تربيته خاله (محمد عكاشة) الذي ألحقه بالكُتَّاب ثم بالمدرسة الإبتدائية . أما عن حقيقة وضعه بدار للأيتام فهي شائعة لا تخلو من بعض الصحة، فالمؤكد أن عبد الحليم شبانة ارتاد الملجأ العمومي لقريته الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، وكان يقيم فيه طوال النهار، لسبب بسيط وهو أن الملجأ كان المقر الوحيد للآلات الموسيقية فى القرية كلها، وهناك تعلّم حليم عزف الموسيقى ومهارات الغناء، وهناك أيضا قابل الشاعر الكبير الراحل( أحمد فؤاد نجم ) .
بدأت بوادر حبه للموسيقى تظهر عندما كان في المدرسة حيث ترأس فرقة الأناشيد و تبناه مدرس له و علمه العزف على آلة (( الأُبوا ))، التحق بعدها بمعهد الموسيقى العربية عام ١٩٤٣ قسم التلحين و هناك قابل أحمد فؤاد حسن ، فايدة كامل ، علي اسماعيل و كمال الطويل.
و من المفارقات أن حليم التحق بقسم التلحين بينما التحق كمال الطويل بقسم الغناء و الأصوات إلا أن' القدر شاء أن يتبادلا الأدوار فيما بعد فغنى حليم من أروع ألحان الموسيقار العبقري كمال الطويل.
نظراً لتفوقه الدراسي حصل حليم على منحة دراسية إلا أنه فضل البقاء بمصر و عمل مدرساً للموسيقى بمدرسة في طنطا ثم الزقازيق ثم القاهرة ، إلا أن حبه للغناء ملأ عليه كيانه فترك التدريس و التحق بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفاً على آلة ((الأبوا )) عام ١٩٥٠م.
عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب :
_ كيف تحول اسمه من شبانة الى حافظ ؟
ذات ليلة من ليالي عام ١٩٥١ التقى حليم برفيق عمره الأستاذ مجدي العمروسي في منزل الإذاعي فهمي عمر و كان من بين الحضور الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي منح حليم اسمه إيماناً منه بموهبته الفريدة.
تواريخ هامة في حياة حليم :
١٩٥٢ وقف أمام لجنة الإجازة في الإذاعة و التي كانت مكونه من محمد عبد الوهاب و أم كلثوم و غنى رائعة (يا حلو يا أسمر ) كلمات سمير محجوب ألحان محمد الموجي و قد لاقت استحسان اللجنة و أجيز في الإذاعة المصرية كمغني.
١٧ اغسطس ١٩٥٢ أطل على جمهوره لأول مرة على المسرح القومي بالإسكندرية و غنى صافيني مرة إلا أن الجمهور لم يتجاوب مع هذا اللون الغنائي المختلف و طالبوه بأن يؤدي شيء لعبد الوهاب !
فما كان منه إلا أن خاطبهم بكل عزة نفس قائلا” :
( أنا مش عبد الوهاب ، أنا عبد الحليم حافظ و جيت عشان أغني أغنياتي أنا )
إلا أن هذه الاغنية لاقت نجاحا كبيرا عندما غناها على مسرح الأندلس فيما بعد في حضور ١٣٠٠٠ متفرج و منها كانت انطلاقته الحقيقة في عالم الغناء.
قدم حليم ما يقرب من ٣٠٠ أغنية ما بين الأغاني القصيرة الخفيفة ، الإيقاعية ، الطويلة ، الموال ، الوطنية ، القصائد و غيرها الكثير.
_ السينما في حياة عبد الحليم حافظ :
كانت بداياته أن شارك بصوته فقط في فيلمي ( ليه تحسب الأيام ) و ( بائعة الخبر ) حتى جاءته الفرصة ليقدم أول أدواره السينمائية و كانت فيلم (لحن الوفاء) عام ١٩٥٥م أمام الفنانة شادية مرورا” بأربعة عشر فيلم آخرين حتى نصل لآخر أفلامه و هو ( أبي فوق الشجرة )عام ١٩٦٩م. حيث بلغ رصيده في السينما ستة عشر فيلما” .
_ رحلته مع المرض :
على الرغم من إصابة حليم بالبلهارسيا و هو طفل إلا أنه لم يعلم بمرضه إلا عندما تعرض لنزيف في المعدة عندما كان مدعواً على الإفطار عند أحد أصدقائه حوالي عام ١٩٥٦. و عندها نلاحظ اختلاف اختياراته الغنائية بعدما كانت تميل الى التفاؤل و المرح أصبحت تميل الى الشجن و الحزن . و من هنا بدأت رحلة العلاج التي قضاها ما بين مصر و لندن رافقته فيها سكرتيرته (سهير محمد علي ) حيث بدأت عملها معه من عام ١٩٧٢ و حتى وفاته ١٩٧٧. أجرى حليم خلال رحلة علاجه حوالي واحد و ستين عملية جراحية.
_ وفاته :
وافته المنية يوم ٣٠ مارس عام ١٩٧٧ بمستشفى كنجز كولدج بلندن و أرجع الأطباء سبب الوفاة الى الدم الملوث الذي نقل له حاملا معه فيروس سي و الذي كان من الصعب علاجه مع وجود تليف الكبد الذي تسببت به البلهارسيا كما أنه تعرض لنزيف في آخر جراحة لم يتمكن الأطباء من إيقافه ، فتوقفت معه حياة العندليب الأسمر بعد رحلة قصيرة مليئة بالجراح والآلام ، إلا أنها حافلة بالنجاحات .
_ جنازته :
عاد جثمانه على متن طائرة مصر للطيران قادماً من لندن و كان برفقته شقيقته السيدة عليا شبانة ، و الأستاذ مجدي العمروسي ، والسيدة نهلة القدسي زوجة محمد عبد الوهاب و ابن خالته شحاته.
وصل الجثمان الساعة الثالثة فجراً و كان في انتظاره أخويه إسماعيل و محمد و بعض الفنانين منهم الفنان بليغ حمدي.
و للشيخ الشعرواي الذي كان وزيراً للأوقاف في ذلك الوقت موقف إنساني لا يمكن تجاهله فقد كان من المقرر أن ينتقل جثمان العندليب إلى مستشفى المعادي و منها إلى مسجد عمر مكرم صباحاً حيث خروج الجنازة إلا أن الشيخ الشعراوي أمر بفتح المسجد و إبقاء الجثمان مسجى فيه حتى صباح اليوم التالي.
عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب :
كانت جنازته رحمه الله أسطورية حيث نقل الجثمان بعربة خضراء مكشوفة محاطة بالورد و لف جثمانه بعلم مصر و أعلى السيارة وضعت صورته.
بلغ عدد المشيعين ٣ مليون مشيع. حضر الجنازة معظم أهل الفن و الأدب و الثقافة إلا أن الفنان عبد الوهاب قد تخلف عن الحضور نظراً لتعرضه لصدمة عقب سماعه الخبر. شهدت الجنازة إغماءات بين الشباب و الفتيات من محبي الفنان الراحل حتى أن جارته و كانت فتاة تبلغ من العمر ٢١ سنة قد ألقت نفسها من الطابق السابع حزناً عليه.
سارت الجنازة حتى وصلت الى مثواه الأخير حيث وارى جسده التراب في مقابر البساتين.
عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب :
خاطرة
حليمي وحليم العشاق والمحبين،
رآه الموت مرة”
فأعجبه …..
فبات من يومها هدفا” يترصده
وعند البحيرة كان موعد الجريمة،
عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب
حليم غاص في الماء
تسلل الموت إليه
وفي أوصاله اختبأ’
وراح يقتات على دمه على خلايا عمره
فأبى إلا أن يخلد
يغني ويغني ، وفي داخله المعركة تستعر
يقول : (فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود )
(حبيبة قلبك ليس لها بيت أو وطن أو عنوان )
يعلم بأن ما قاله يشبهه، يشبه مسيرة عمره
فاحتكره ..
ولم يسمح لأحد آخر بأن يغني قدره
أراد أن يطرب بألمه
وينتشي بمصيره المحتوم
بالسوء الذي ينتظره
( بصرت ونجمت كثيرا” لكني لم أقرأ أبدا” فنجانا” يشبه فنجانك )
عبد الحليم حافظ أسطورة الغناء والحب
ثم’ ماذا ؟!
(يا ولدي قد مات شهيدا” من مات فداء للمحبوب )
لم يمت شهيدا” فقط
لقد غلب’ الموت وخلد، جعله يقف عاجزا” أمام مخلوق لا يموت ، ومن جديد هزم’ الموت أمام الفنون .
وإلى اليوم تبرق عيناه حين يغني ،
ويسعد العاشقين ويعلمهم كيف الشوق والحنين يكون .
عائشة أحمد البراقي
حقوق النشر وجميع الحقوق محفوظة
Leave A Comment