كانَ عمر أبو ريشة شاعراً لا يُجارى في الحديث عن القضايا الوطنيّة والقوميّة، وكلها كانت أمامه صوراً؛ فمثلاً هوَ أكثر شاعر خاطبَ الوطن، وأجمل لقب أسبغَه على وطنه، وكان من اختراعه، وبقي هذا اللَّقب مرتبطاً به، وهو /العروس / فلم يخاطب سورية إلاّ بالعروس، ولم يأتِ ذلك لأحد قبله، ولا من بعده، وإن فعلها أحد بعده فهو يقلّده.
يقول أبو ريشة مخاطباً الوطن، ويَظهر لدينا براعته في الوصف وفي الوطنيات:
_ يا عروساً تنامُ ملءَ المحاجرْ شيّعي الحلم والطيوف السّواحر
وهذه الصورة غاية في القساوة، وهي أقسى من بيت اليازجي، إذ يشبّه الوطن بامرأة تغطّ في النوم، إلاّ أنّه عالجها بطريقة فنيّة
فصارت مقبولة.
آنَ أن تفتحي العيونَ إلى النو رِ وتُلقي على الظّلام الستائر
وقد كان موفّقاً في اختيار كلمة /آنَ / إذ اختصرت هذه الكلمة كثيراً ممّا قبلها من الوقت الطويل.
يا بلادي وأنت نهلةُ ظمآ ن وشبّابة على فم شاعر
والنّاي ذو عزفٍ حزين، وهو الآلة الوحيدة التي لا تعمل حتى يطبق المرء شفتيه عليها، فيحدث تماهٍ بينَ العازف وهذه الآلة.
وهُنا تكمن براعة التَّصوير، ثمّ يُتابع:
كيفَ مالت بك الليالي وألوت بالبقايا من العهود الغوابر
ما حملنا ذلّ الحياة وفي القو س نبال وفي الأكفّ بواتِر
يصفع الذّئب جبهةَ اللّيث صفعاً إن تلاشَت أنيابُه والأظافر
ومن قصائده الجميلة والمغناة أيضاً، وقالها في الجَّلاء:
يا عروسَ المجد تيهي واسحبي في مغانينا ذيول الشّهبِ
لن تري حبةَ رملٍ فوقها لم تعطّر بدما حر أبي
يا عروس المجد طال الملتقى بعدها طال جوى المغترب
وهو شاعر ىمقرّع ، ومباشر ضمن صورته ، كقصيدته بعد النكبة التي قالها بعد نكبة 1948 :
أمّتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أمّتي كم غصّة دامية خنقت نجوى علاك في فمي
أيّ جرح في إبائي راعف فاته الآسي فلم يلتئم
وقف أبو ريشة عند المنارات العظماء وكرّمهم وتحدّث عنهم بلغة مختلفة ، يقول في المعرّي :
يا أخا الحكمة السنيّة هل نلت على سدةِ الخلود أمانا
كيفَ ألفيتَ عالماً لم يكحّل مرود النور جفنه الوسنانا
هل محا بسمة الكآبة عن في ______ك وأردى في صدركَ الأحزانا
ويقول في خطاب خالد بن الوليد :
يا مسجّى في قبّةِ الخلدِ يا خا_______ لد هل من تلفّت لبياني ؟؟
أنا من أمّةٍ افاقت على العز__________ ز وأغفت مغموسةً في الهوان
عرشها الرّثّ من حراب المغيري______ن وأعلامها منَ الأكفانِ
وأهمّ قامة وقف عندها على الإطلاق هي قامة الرّسول الأعظم محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، فقد كتبَ قصيدةً أسماها
( ملحمة محمّد ) وقد كتبَ قبلها تعليقاً ووعدَ أن ينجزَ ملحمةً فنشرت المقدّمة ولم تنجز الملحمة، يقول:
يا نجيّ الخلودِ تلكَ سرايا ك على كلّ ربوةٍ غنّاءِ
حملت صبوة الشآم وفضّتها أريجاً على فم الزوراءِ
[…] فعندما نقرأ القصيدة نشعر أنّه رأى وسمِع من جاء إلى هذا المعبد وهو يشكو همّه سواء أسرّ أم أبان ،فيقول عمر أبو ريشة: […]